أنثروبيك تحقق قفزة نوعية بقيمة 60 مليار دولار وتتحدى هيمنة أوبن إيه آي في 2025

أنثروبيك تحقق قفزة نوعية

تعتبر شركة أنثروبيك، التي تأسست قبل ثلاث سنوات فقط، في منعطف حاسم. وفقًا لتقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، تجري الشركة حاليًا مفاوضات لجمع تمويل بقيمة 2 مليار دولار، مما سيرفع تقييمها إلى مستوى مذهل يبلغ 60 مليار دولار. هذا الرقم يمثل قفزة هائلة مقارنة بتقييمها الذي بلغ 16 مليار دولار قبل عام واحد فقط، أي ما يقرب من أربعة أضعاف. بهذه القيمة، تنضم أنثروبيك إلى قائمة أكبر خمس شركات ناشئة من حيث التقييم في الولايات المتحدة، حيث تأتي بعد شركات مثل سبيس إكس، وأوبن إيه آي، وسترايب، وداتابريكس.

تقود جولة التمويل الحالية شركة لايت سبيد فينتشر بارتنرز. ومنذ تأسيسها في عام 2021، جمعت أنثروبيك أكثر من 11.3 مليار دولار من شركات رأس المال الاستثماري مثل مينلو بارك فنتشرز، بالإضافة إلى عمالقة التكنولوجيا مثل أمازون وجوجل وسيلزفورس.

شهدت الفترة الأخيرة حصول العديد من شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة على جولات تمويل جديدة. على سبيل المثال، جمعت شركة xAI التابعة لإيلون ماسك 6 مليارات دولار الشهر الماضي، بتقييم يتراوح بين 35 و 45 مليار دولار. وفي أكتوبر، جمعت أوبن إيه آي 6.6 مليارات دولار بتقييم بلغ 157 مليار دولار. ومن الجدير بالذكر أن أنثروبيك حصلت قبل شهرين فقط على استثمار بقيمة 4 مليارات دولار من شريكتها الرئيسية أمازون.

عادةً ما تطرح الشركات الناشئة أسهمها للاكتتاب العام بعد وصول تقييمها إلى عدة مليارات من الدولارات. ومع ذلك، تتنافس الشركات الناشئة مثل أنثروبيك و xAI وأوبن إيه آي، بالإضافة إلى عمالقة التكنولوجيا مثل ميتا وجوجل، بشدة لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، مما يتطلب استثمار مليارات الدولارات في التدريب والتشغيل. وعلى الرغم من أن المستثمرين لا يتوقعون تحقيق هذه الشركات الناشئة أرباحًا في المدى القصير، إلا أنهم على ثقة بأن هذه التكنولوجيا يمكن أن تخلق قيمة تريليونات الدولارات في المستقبل. وتؤكد بيانات مؤسسة بيتشبوك هذه النقطة، حيث تشير إلى أن حوالي نصف إجمالي الاستثمارات الأمريكية في رأس المال الاستثماري العام الماضي، والتي بلغت 209 مليارات دولار، قد ذهبت إلى شركات الذكاء الاصطناعي.

ما الذي يميز أنثروبيك؟

يقع المقر الرئيسي لشركة أنثروبيك في سان فرانسيسكو، وقد تأسست في عام 2021 على يد موظفين سابقين في أوبن إيه آي، مع التركيز بشكل خاص على أمان الذكاء الاصطناعي. خلال العام الماضي، لم تقل الشركة أداءً عن غيرها من شركات الذكاء الاصطناعي الرائدة، بل واستقطبت العديد من الموظفين من أوبن إيه آي.

كثفت أنثروبيك جهودها التطويرية في العام الماضي، وفي أكتوبر، أعلنت أن وكيلها الذكي قادر على استخدام أجهزة الكمبيوتر لإكمال المهام المعقدة بنفس الطريقة التي يستخدمها البشر. تتيح هذه القدرة التقنية الجديدة للذكاء الاصطناعي فهم محتوى شاشة الكمبيوتر، واختيار الأزرار، وإدخال النصوص، وتصفح مواقع الويب، وتنفيذ المهام من خلال أي برنامج أو تصفح للإنترنت في الوقت الفعلي.

صرح جاريد كابلان، كبير العلماء في أنثروبيك، في مقابلة مع قناة CNBC، بأن هذه الأداة قادرة على "استخدام الكمبيوتر بنفس الطريقة التي نستخدمها بها نحن البشر"، وأشار إلى أن الأداة قادرة على إكمال مهام تتضمن "عشرات أو حتى مئات الخطوات". وبحسب تقرير نشرته وكالة بلومبرج، تخطط أوبن إيه آي لإطلاق وظيفة مماثلة قريبًا.

بالإضافة إلى ذلك، أطلقت أنثروبيك في سبتمبر برنامج Claude Enterprise، وهو أكبر منتج جديد لها منذ إطلاق روبوت الدردشة الخاص بها، وهو مصمم خصيصًا للشركات التي تسعى إلى دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي. وفي وقت سابق من العام الماضي، أصدرت أنثروبيك أيضًا نموذج الذكاء الاصطناعي الأقوى Claude 3.5 Sonnet.

إلى جانب الاختراقات التقنية والمنتجات المستمرة، أظهرت أنثروبيك زخمًا قويًا في أسواق رأس المال لا يقل عن زخم أوبن إيه آي.

قدرة تمويلية لا تقل عن أوبن إيه آي

على الرغم من الأرقام المبهرة، قد تكون قدرة أنثروبيك على "جذب الأموال" مقللة. وفقًا لأحدث المعلومات، يبلغ إيراد أنثروبيك السنوي حوالي 875 مليون دولار، أي أن نسبة التقييم إلى الإيرادات تبلغ حوالي 68.6 ضعفًا. وبالمقارنة، يبلغ أحدث تقييم لأوبن إيه آي 157 مليار دولار، مع إيرادات متوقعة لعام 2024 تبلغ 3.7 مليار دولار، أي أن نسبة التقييم إلى الإيرادات تبلغ حوالي 42.4 ضعفًا. إن مضاعف تقييم أنثروبيك أعلى بكثير من مضاعف أوبن إيه آي، مما يعكس توقعات المستثمرين العالية لنموها المستقبلي، خاصة في أسواق الشركات والابتكار التكنولوجي. ومع ذلك، هذا يعني أيضًا أن أنثروبيك بحاجة إلى إثبات استدامة نموذج أعمالها في المستقبل.

إن نسبة تقييم أنثروبيك إلى إيراداتها السنوية أعلى من نسبة أوبن إيه آي، ويعكس هذا التقييم المرتفع توقعات السوق العالية لنموها المستقبلي. وعلى الرغم من أن إيراداتها السنوية الحالية أقل من إيرادات أوبن إيه آي، إلا أن معدل نموها سريع، مما يمنح المستثمرين الثقة في أدائها المستقبلي في السوق، وبالتالي يدفع بتقييم الشركة إلى الأعلى.

تأسست أنثروبيك على يد أعضاء سابقين في الفريق الأساسي لأوبن إيه آي، ولديها خلفية تقنية قوية وقدرة على الابتكار. يُنظر إلى نموذجها اللغوي الكبير كلود على أنه منافس قوي لـ ChatGPT، وقد أظهر بالفعل إمكانات تتجاوز إمكانات أوبن إيه آي في بعض المجالات التقنية. هذه الميزة التقنية تمنح أنثروبيك مكانة فريدة في صناعة الذكاء الاصطناعي، وتجذب اهتمام المستثمرين ودعمهم المالي.

بالإضافة إلى ذلك، حصلت أنثروبيك على استثمارات ضخمة من عمالقة التكنولوجيا مثل جوجل وأمازون. إن دعم هؤلاء المستثمرين لم يوفر لأنثروبيك التمويل الكافي فحسب، بل عزز أيضًا ثقة السوق في تطورها المستقبلي. على سبيل المثال، استثمرت أمازون 4 مليارات دولار في أنثروبيك في عام 2023، وقد أدى هذا التدفق الضخم للأموال إلى زيادة كبيرة في تقييم الشركة.

وقد حققت الشركة تقدمًا ملحوظًا في مجال عملاء الشركات. وقد أدى هذا التحسن في مكانتها التنافسية إلى جعل المستثمرين أكثر تفاؤلاً بشأن أدائها المستقبلي في السوق، مما أدى بدوره إلى زيادة نسبة تقييمها إلى إيراداتها السنوية.

ومع ذلك، فإن التقييم المرتفع يعني أيضًا مخاطر عالية. قد يؤثر هذا الضغط المالي على التطور طويل الأجل للشركة وعوائد المستثمرين. بالإضافة إلى ذلك، تزداد المنافسة في صناعة الذكاء الاصطناعي، وتحتاج أنثروبيك إلى الابتكار المستمر وتحسين أداء منتجاتها للحفاظ على مكانتها الرائدة في السوق.

مسيرة أنثروبيك التمويلية

بدأت مسيرة أنثروبيك التمويلية في مايو 2021 بجولة تمويل أولية (A) بقيمة 124 مليون دولار، بقيادة جان تالين، المؤسس المشارك لسكايب، وبمشاركة مستثمرين مثل داستن موسكوفيتز، المؤسس المشارك لفيسبوك. وفي أبريل 2022، أكملت الشركة جولة تمويل ثانية (B) بقيمة 580 مليون دولار بقيادة سام بانكمان-فرايد، مؤسس FTX، حيث ساهمت FTX بمبلغ إجمالي قدره 500 مليون دولار، وحصلت FTX وفريق إدارتها التنفيذي بموجبها على حوالي 7.84٪ من الأسهم.

كان عام 2023 عامًا حاسمًا لتطور أنثروبيك. ففي فبراير من ذلك العام، استثمرت جوجل 300 مليون دولار وحصلت على حوالي 10٪ من الأسهم، بالإضافة إلى إقامة شراكة في مجال الخدمات السحابية. وفي مايو، أكملت الشركة جولة تمويل ثالثة (C) بقيمة 450 مليون دولار بقيادة سبارك كابيتال، وبمشاركة مؤسسات استثمارية بارزة مثل سيلزفورس فنتشرز وزوم فنتشرز. وفي عام 2024، تعهدت أمازون باستثمار 4 مليارات دولار، مما دفع أنثروبيك إلى آفاق جديدة من التطور. وتجري الشركة حاليًا مفاوضات بشأن جولة تمويل رابعة (D) بقيمة 2 مليار دولار.

استثمار أمازون الاستراتيجي

من بين جميع المستثمرين في أنثروبيك، تعتبر أمازون بلا شك الأكثر بروزًا. فقد سجل استثمار أمازون في أنثروبيك أكبر استثمار خارجي في تاريخ الشركة، كما جعل AWS المزود الرئيسي للخدمات السحابية لأنثروبيك. بالإضافة إلى ذلك، يتم توفير نموذج الذكاء الاصطناعي Claude الخاص بأنثروبيك على منصة Bedrock التابعة لـ AWS، ليستخدمه العملاء. يعكس هذا الرهان الطموح استثمار مايكروسوفت في أوبن إيه آي.

تجسد أنثروبيك وأمازون شراكة استراتيجية، في حين أن العلاقة بين أوبن إيه آي ومايكروسوفت أكثر تعقيدًا. تعتبر مايكروسوفت أكبر مستثمر في أوبن إيه آي، حيث استثمرت حوالي 13 مليار دولار، وهي أيضًا المزود الحصري للخدمات السحابية. يتم دمج نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة الخاصة بأوبن إيه آي في العديد من منتجات مايكروسوفت، مثل خدمات Azure السحابية وحزمة Office. ومع ذلك، على الرغم من العلاقة الوثيقة بين الشركتين، فقد أدرجت مايكروسوفت مؤخرًا أوبن إيه آي كمنافس في تقريرها السنوي، مما يشير إلى وجود منافسة بينهما في بعض المجالات.

مع تركيز أنثروبيك على سوق الشركات، قد تواجه الشركتان أيضًا مشاكل منافسة محتملة مثل تلك التي تواجهها أوبن إيه آي ومايكروسوفت، مثل التنافس على العملاء والتردد في الكشف عن التفاصيل التقنية.

حادثة FTX

بالإضافة إلى التعاون مع العمالقة، شهدت مسيرة أنثروبيك التمويلية أيضًا حادثة مع بورصة العملات المشفرة المفلسة FTX. ففي عام 2022، قرر سام بانكمان-فرايد، مؤسس FTX، استثمار 500 مليون دولار في أنثروبيك. ومن حيث العائد على الاستثمار، قد يكون هذا الاستثمار هو الأكثر نجاحًا في حياته. ومع ذلك، فإن القصة وراء هذا الاستثمار ليست مشرفة. فقد أقر في المحكمة بأنه في الواقع اختلس أموالًا من عملاء FTX لإتمام هذا الاستثمار، وأنه لم يكن ينوي إرجاع هذه الأموال عندما اقترضها من FTX، بل كان يراهن على النجاح فقط.

كان استثمار FTX في أنثروبيك يُنظر إليه في البداية على أنه خطوة مهمة في مجال الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، مع تورط FTX نفسها في مستنقع الإفلاس، أصبحت حصتها في أنثروبيك محور اهتمام الدائنين. أصبحت أنثروبيك، التي ارتفع تقييمها بشكل كبير، أكبر أمل لـ FTX في سداد ديونها في ذلك الوقت. وفي عام 2024، حصلت FTX على حوالي 1.3 مليار دولار من بيع أسهمها في أنثروبيك، وقد استحوذت على هذه الأسهم شركة استثمار أبوظبية وعدد من المؤسسات الأخرى مثل G Squared و Jane Street.

لم تعرقل حادثة FTX مسيرة أنثروبيك التطورية. فمن خلال جلب عمالقة التكنولوجيا مثل جوجل وأمازون كمستثمرين استراتيجيين، لم تتخلص أنثروبيك من المخاطر المحتملة فحسب، بل حققت أيضًا نموًا سريعًا في التقييم. إن القفزة في التقييم من 18 مليار دولار إلى 60 مليار دولار تسلط الضوء على اعتراف السوق بقوتها التقنية وآفاقها التطورية.

أنثروبيك لم تعد تتحفظ

بحلول نهاية عام 2024، من المتوقع أن يصل إيراد أنثروبيك السنوي إلى مليار دولار، بزيادة قدرها 1100٪ عن العام الماضي. والجدير بالذكر أن 85٪ من هذا الإيراد يأتي من أعمال واجهات برمجة التطبيقات (API)، وهي نسبة أعلى بكثير من نسبة 27٪ الخاصة بأوبن إيه آي، مما يدل على الميزة الفريدة التي تتمتع بها أنثروبيك في مجال خدمات الشركات.

في مجتمع المطورين، يحظى Claude بتقدير واسع النطاق لقدراته المتميزة في البرمجة. وقد أظهر نموذج Claude 3.5 Sonnet، الذي أطلقته أنثروبيك هذا العام، أداءً متميزًا في العديد من التقييمات التقنية، حيث أظهر قدرة استدلالية على مستوى طلاب الدراسات العليا ومهارات برمجة على مستوى المبرمجين المتقدمين. وقد دفع هذا الشركات، بما في ذلك مايكروسوفت، إلى البدء في دمج نموذج Claude في منتجاتها الخاصة.

والأكثر إثارة للاهتمام هو تركيز أنثروبيك على الابتكار في مجال التفاعل مع الذكاء الاصطناعي. فقد أطلقت الشركة برنامج Claude Artifacts الذي يتيح للمستخدمين إنشاء تطبيقات دون الحاجة إلى البرمجة، بالإضافة إلى برنامج Computer Use الذي يمكنه تشغيل أجهزة الكمبيوتر بنفس الطريقة التي يستخدمها البشر. وقد حاز هذان البرنامجان على إعجاب المطورين، كما اجتذبا عملاء من الشركات التقليدية مثل باناسونيك، التي تخطط للتعاون مع أنثروبيك لزيادة نسبة الإيرادات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي إلى 30٪ في غضون عشر سنوات.

في الوقت نفسه، مع ارتفاع حجم تمويل أنثروبيك ونفوذها، يبدو أن أنثروبيك تغير أيضًا من أسلوبها المتحفظ، وتتخذ نهجًا أكثر جرأة تجاه منافسيها. ففي أكتوبر الماضي، وبعد موجة من استقالات المديرين التنفيذيين في أوبن إيه آي، بما في ذلك ميرا موراتي، كبيرة مسؤولي التكنولوجيا، بدأت إعلانات Claude AI الخاصة بأنثروبيك في الظهور في مطار سان فرانسيسكو الدولي، مع شعار "الشخص الذي لا يثير الكثير من الدراما" (The one without all the drama)، وهو ما يحمل دلالات استفزازية.

وينعكس هذا التحول أيضًا في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث بدأ موظفو أنثروبيك، الذين نادرًا ما شاركوا في الحروب الكلامية، في الظهور بقوة. ففي 5 يناير، نشر سام ألتمان قصة مكونة من ست كلمات على منصة X: "near the singularity; unclear which side." (بالقرب من التفرد؛ غير واضح أي جانب).

ورد مدير علاقات المطورين في أنثروبيك بطريقة ساخرة: claude claude claude; claude claude claude.

يشبه هذا الأمر شخصًا يروي قصة معقدة ومليئة بالرمزية، بينما يرد عليه شخص آخر مباشرة بأبسط طريقة ممكنة: "ما الفائدة من كل هذا الكلام؟ هذه الكلمات الست، والفاهم يفهم."

تشير هذه العلامات إلى أن مواجهة مباشرة قد بدأت، وأن المواجهة المباشرة بين أنثروبيك وأوبن إيه آي قد تكون القصة الأكثر إثارة للاهتمام في صناعة الذكاء الاصطناعي في عام 2025.